Monday, October 31, 2016

لافتات 1 ـ مقتطفات



الشاعر : أحمد مطر
الطبعة الأولى : نوفمبر 1984

في كل مرة أقرأ فيها ديوانا لأحمد مطر يتبين لي أكثر لماذا أنا من عشاق شعره. شعر أحمد مطر متمرد و مقاوم، شعر يقاوم الجمود و الذل و الاستسلام الذي يعيشه العرب. شعر عميق يعبر عن نبض الشارع و مشاعر كل عربي بكل إبداع و تميز. شعر ثوري يتحدى كل القيود و الحواجز. شعر يبكيك و يضحكك في نفس الوقت. يضحكك بصوره و تعابيره الساخرة و يبكيك على الوضع المخزي الذي وصلنا إليه. ببساطة، هو شعر كان سببا في نفيه من بلده و بقائه مطاردا طول حياته. و بالرغم من تحفظاتي على بعض قصائده خصوصا عندما يتطرق لبعض مفاهيم الدين، إلا أن هذا الشاعر يذكرني دوما أن الشعر قد يتجاوز أسواق عكاظ و جلسات الأنس و اللهو ليزلزل العالم بكلماته الجريئة و يقدم رسالة سامية و يكون ذا تأثير قوي.

يستهل الشاعر ديوانه بهذه الأبيات :

سبعون طعنة هنا موصولة النزف
تبدي ولا تخفي
تغتال خوف الموت في الخوف
سميتها قصائدي
و سمها يا قارئي حتفي
و سمني منتحرا بخنجر الحرف
لأنني في زمن الزيف
و العيش بالمزمار و الدف
كشفت صدري دفترا
و فوقه
كتبت هذا الشعر بالسيف


و في ما يلي بعض القصائد التي أعجبتني.

على باب الشعر
حين وقفت بباب الشعر
فتش أحلامي الحراس
أمروني أن أخلع رأسي
وأريق بقايا الإحساس
ثم دعوني أن أكتب شعرا للناس
فخلعت نعالي بالباب
وقلت
خلعت الأخطر يا حراس
هذا النعل يدوس
ولكن هذا الرأس يداس

عزف على القانون
يشتمني
ويدعي أن سكوتي معلن عن ضعفه
يلطمني
ويدعي أن فمي قام بلطم كفه
يطعنني
ويدعي أن دمي لوث حد سيفه
فأخرج القانون من متحفه
وأمسح الغبار عن جـبـيـنـه
أطلب بعض عطفه
لكنه يهرب نحو قاتلي
وينحني في صفه
يقول حبري و دمي :
" لا تندهش
من يملك القانون في أوطاننا
هو الذي يملك حق عزفه "

شطرنج
منذ ثلاثين سنة
نسخر من عدونا لشركه
ونحن نحيي وثنه
ونشجب الإكثار من سلاحه
ونحن نعطي ثمنه
فإن تكن سبعا عجائب الدنى
فنحن صرنا الثامنة
بعد ثلاثين سنة

حكاية عباس
عباس وراء المتراس
يقظ منتبه حساس
منذ سنين الفتح يلمع سيفه
ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دفه
بلع السارق ضفة
قلب عباس القرطاس
ضرب الأخماس بأسداس
)بقيت ضفة(
لملم عباس ذخيرته والمتراس
ومضى يصقل سيفه
عبر اللص إليه، وحل ببيته
)أصبح ضيفه(
قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه
صرخت زوجة عباس:
" أبناؤك قتلى، عباس
ضيفك راودني، عباس
قم أنقذني يا عباس"
عباس ــ اليقظ الحساس ــ منتبه لم يسمع شيئا
)زوجته تغتاب الناس(
صرخت زوجته : "عباس، الضيف سيسرق نعجتنا"
قلب عباس القرطاس ، ضرب الأخماس بأسداس
أرسل برقية تهديد
- فلمن تصقل سيفك يا عباس؟
) -لوقت الشدة(
- إذا ، اصقل سيفك يا عباس

قلم
جسَّ الطبيبُ خافقـي
وقـالَ لي :
هلْ ها هُنـا الألَـمْ ؟
قُلتُ له: نعَـمْ
فَشـقَّ بالمِشـرَطِ جيبَ معطَفـي
وأخـرَجَ القَلَــمْ!
**
هَـزَّ الطّبيبُ رأسَـهُ .. ومالَ و ابتَسـمْ
وَقالَ لـي :
ليسَ سـوى قَلَـمْ
فقُلتُ : لا يا سَيّـدي
هـذا يَـدٌ .. وَفَـمْ
رَصـاصــةٌ .. وَدَمْ
وَتُهمـةٌ سـافِرةٌ .. تَمشي بِلا قَـدَمْ !

قمم باردة
قمّةٌ أخرى ..
وفي الوادي جياعٌ تتنهَّدْ
قمّةٌ أخرى ..
وقَعْرُ السهلِ أَجْرَدْ
قِمَّةٌ أعلى .. وأَبْرَدْ
يا مُحَمَّدْ
يا مُحَمَّدْ
يا مُحَمَّدْ
ابعثِ الدفءَ
فقد كادَ لنا عُزَّى ..
وكِدنا نتجَمَّد !

أصنام البشر
يا قدس معذرة ومثلي ليس يعتذر
مالي يد في ما جرى فالأمر ما أمروا
وأنا ضعيف ليس لي أثر
عار علي السمع و البصر
وأنا بسيف الحرف أنتحر
وأنا اللهيب وقادتي المطر
فمتى سأستعر ؟
لو أن أرباب الحمى حجر
لحملت فأسا فوقها القدر
هوجاء لا تبقي ولا تذر
لكنما أصنامنا بشر
الغدر منهم خائف حذر
والمكر يشكو الضعف إن مكروا
فالحرب أغنية يجن بلحنها الوتر
والسلم مختصر
ساق على ساق
وأقداح يعر ش فوقها الخدر
وموائد من حولها بقر
ويكون مؤتمر
هزي إليك بجذع مؤتمر
يساقط حولك الهذر
عاش اللهيب ويسقط المطر

قومي احبلي ثانية
فصيحنا ببغاء
قوينا مومياء
ذكينا يشمت فيه الغباء
ووضعنا يضحك منه البكاء
تسممت أنفاسنا حتى نسينا الهواء
وامتزج الخزي بنا حتى كرهنا الحياء
يا أرضنا، يا مهبط الأنبياء
قد كان يكفي واحد لو لم نكن أغبياء
يا أرضنا
ضاع رجاء الرجاء
فينا ومات الإباء
يا أرضنا
لا تطلبي من ذلنا كبرياء
قومي احبلي ثانية
وكشفي عن رجل لهؤلاء النساء

تساؤلات
كيف سندخل حربا هذي المرة
ما دامت أمتنا الحرة
تنجب عشرة أبطال
كي نقتل منهم عشرة؟
كيف سنجني ثمرا
و البذرة ما زالت بذرة؟
كيف سنجني شهدا
و البذرة في يدنا مرة؟
يا وعد الله ... يا نصره
كيف ستسلم هذه الجرة ..
ما دام الإنسان لدينا
يولد يحمل قبره؟؟

آمال