Monday, June 30, 2014

ذاكرة الجسد ـ تحليل



الكاتبة : أحلام مستغانمي
دار النشر : دار الآداب
عدد الصفحات : 406 صفحة

الإطار الزماني و المكاني
الزمان : الثمانينات بعد ربع قرن تقريبا من استقلال الجزائر
المكان : بين قسنطينة و باريس

الشخصيات و علاقتها بالرواية

خالد : بطل الرواية، مواطن جزائري التحق في مقتبل عمره بجبهة التحرير و لكن حادثا جعله يفقد يده اليسرى و يترك الجبهة. كان يعتبر سي الطاهر بمثابة والد و قدوة له، و كذلك اعتبره هذا الأخير بمثابة ابنه و أوكل إليه مهمة تسجيل ابنته حياة في الأوراق الرسمية. بعد الاستقلال، عمل خالد في وظائف حكومية و لكنه ما فتئ يكتشف أن أحلامه أكبر من ذلك، كما أن الأوضاع في بلده لم تعد تبشر بالخير، حيث ابتعد الناس عن التعلم و القراءة و أصبح كل اهتمامهم منصبا على الأمور المادية، و نسوا تماما الهدف و الغاية من الاستقلال. و هكذا قرر الهجرة إلى فرنسا و مزاولة هوايته المفضلة: الرسم. و من خلال إحدى معارضه يلتقي صدفة بابنة سي الطاهر، التي تعيد معها كل ذكرياته عن وطنه و تفتح جروحا كانت تكاد تنسى و ترغمه على العودة إلى قسنطينة في ظروف لم يكن ليتوقعها.

البطلة : عند مولدها كان اسمها حياة، ثم سماها أبوها اسما تفننت الكاتبة في وصفه دون البوح به في الرواية بأكملها:
بين ألف الألم و ميم المتعة كان اسمك.

تشطره حاء الحرقة.. و لام التحذير. فكيف لم أحذر اسمك الذي ولد وسط الحرائق الأولى، شعلة صغيرة في تلك الحرب. كيف لم أحذر هذا الاسم المفرد ـ الجمع كاسم هذا الوطن، و أدرك منذ البدء أن الجمع خلق  دائما ليقتسم!
و ترمز بها الكاتبة إلى الجزائر بعد ربع قرن من الاستقلال، و التي بدل أن تكون تلك الأم الحنون و الحضن الدافئ لأبنائها، أصبحت تلك الحبيبة الأنانية القاسية التي تتنكر لمن يحبها و تتبرأ منه.

زياد : صديق البطل، هو شاعر فلسطيني، ظهر بعد غيبة لينافس البطل في حبيبته و يستحوذ على اهتمامها. و ترمز الكاتبة به إلى فلسطين أو القضية الفلسطينية، التي استحوذت على اهتمام الدول برهة و لكنها ما فتئت أن وضعت في مقبرة التاريخ و نسيت كما نسيت قضايا كثيرة من قبل .

سي الطاهر : مناضل في إحدى خلايا الكفاح المسلح ضد الاستعمار و والد بطلة القصة. و ترمز به الكاتبة إلا المناضلين الشرفاء الذين قاتلوا لا من أجل الحصول على المناصب و الامتيازات، بل من أجل الحرية و الكرامة، فسارعوا إلى ميادين القتال و وواجهوا الموت بكل شجاعة و إقدام.

سي الشريف : أخ سي الطاهر، تدرج في السلك الدبلوماسي و تقلد عدة مناصب سياسية معتمدا على الوساطة. ترمز به الكاتبة إلى تلك الفئة ممن يدعون أنهم ناضلوا من أجل الاستقلال، و لكن هدفهم الحقيقي كان الوصول إلى السلطة.

كاثرين : صديقة خالد الفرنسية، و في نظري ترمز بها الكاتبة إلى نمط العيش الفرنسي المتميز بالحرية المطلقة الخالية من كل القيود و الإكراهات و الضغوطات التي يفرضها العرف و الدين و المجتمع.

السي ... : لم تعط الكاتبة حتى اسما لهذه الشخصية، فهو ربما بالنسبة لها شخص نكرة لا ملامح له، فهو فقط واحد من أولئك الطامعين في السلطة ولو على حساب الآخرين. و ترمز به الكاتبة في نظري إلى نظام العسكر الذي صعد إلى الحكم في الجزائر بعد الاستقلال و استغل نفوذه لتحقيقه أهدافه السياسية مبتعدا عن الغاية الأسمى من الاستقلال و هي النهوض بالوطن.


مناقشة لبعض أفكار الرواية
1. ربما لا أصنف نفسي ضمن الناس الذين يقرأون بكثرة، و لكن هل هي مصادفة أن كل الروايات التي قرأتها و خاصة الناجحة منها روايات حزينة؟ فأنا لا أتذكر أني قرأت يوما رواية خرجت بعدها و أنا أشعر بالتفاؤل و السرور أو و أنا أقول أن العالم بخير. قد يحضرني بعضها الآن و لكن عددها قليل جدا و قيمتها الأدبية متواضعة.

و هذا يجرني إلى أن أتساءل : هل الإبداع مقترن دائما بالحزن؟ و هل الحزن قادر على أن يجعلنا نخرج ما في أعماقنا من أحاسيس و أن نعبر عنها بشكل مبدع و خلاق؟

من خلال تجربتي الشخصية، صحيح أن اهتمامي المفرط و تتبعي للأزمات التي تمر بها الدول العربية و الإسلامية جعلني في وقت من الأوقات أكتب شعرا حرا أو أرسم كاريكاتورا أو لوحة أعبر فيها عن مشاعر الغضب و العجز الذي اجتاحني و جعلني أفعل ما لم أكن يوما أظن أني أفعله. و هذا قد يؤكد نظرية اقتران الحزن بالإبداع، فالحزن يدفعك لأن تخرج ذلك المارد الذي بداخلك و تلك القدرة على الإبداع التي ربما لم تظهر يوما من قبل.

أما إذا نظرنا إلى الأمر من باب علمي، فهناك دراسات عديدة تطرقت إلى هذه الإشكالية، و أذكر باللغة الإنجليزية مقطعا من كتاب كنت قرأته بعنوان "تخيل : كيف يعمل الإبداع" لكاتبه جوناه ليهرير، يقول فيه :

Why is severe sadness so closely associated with creativity? Andreason argues that depression is intertwined with a "cognitive style" that makes people more likely to produce successful works of art. Her explanation is staightforward : It's not easy to write a good novel or compose a piece of music. The process often requires years of careful attention as the artist fixes mistakes and corrects errors. As a result, the ability to stick with the process - to endure the unconceiling - is extremely important. "Successful writers are like prizefighters who keep on getting hit but won't go down," Andreason says. "They'll stick with it until it's right. And that seems to be what the mood disorders help with."...

و لكن بالرغم من ذلك، و انطلاقا من تجربتي الشخصية أيضا، فإني مررت بأوقات أخرى كان حماسي في أوجه، و قد جعلني هذا أيضا أبدع أشياء أخرى كصناعة فيلم كرتوني قصير مثلا، إلا أن هذا المثال قد لا يكون في محله أيضا لأنه بعيد عن مجال الأدب.

و يبقى التساؤل مطروحا، أليس من الممكن أن نجد أدبا راقيا مبدعا و في نفس الوقت يبعث فينا الأمل و التفاؤل و التطلع إلى المستقبل بعين إيجابية؟ أم أن مرارة الواقع أقوى من أن تجعلنا نصل إلى هذا الهدف؟

2. ملاحظة ربما قدمتها سلفا في مقال آخر عن الأدب المغربي المعاصر، و لكني أعيدها الآن لأن الفكرة ما فتئت تترسخ بعد قراءتي لكتاب عرب آخرين. ففي كل مرة، ألاحظ أن الكاتب يحاول أن ينقل الواقع كما هو بكل صوره السوداء و مشاكله و شخصياته بكل عيوبها، و هذا شيء حسن إذا كان الهدف منه وضع اليد على أصل المشكلة لمحاولة حلها، فنحن نعلم أن فهم مشكل ما يشكل نصف حله. و لكن أ يجب علينا دائما أن نقف عند هذه النقطة؟ أليس الفن و الأدب رسالة؟ أليس من المفروض أن يحاول طرح حلول لهذه المشاكل؟ ربما أحمل الكتاب أكثر مما ينبغي، و لكن إذا لم يكن مفكروا المجتمع و مثقفوه هم الذين يجب أن يبحثوا عن الحلول، فعلى من نعول إذن؟ جميل أن نقرأ فنا راقيا مبدعا و لكننا بحاجة إلى فكر بناء أيضا، فكر ينهض بالمجتمع و يرقى به، لا إلى فكر جامد يوقفنا عند المشكل و يتركنا نضيع في دوامة التساؤلات. 

قد يقول لي البعض أن الكاتبة في الرواية التي نحن بصدد مناقشتها حاولت وضع نهاية إيجابية للقصة بجعل البطل يترك كل أحلامه في بلاد المهجر و يترك ريشته ليتوجه للمرة الأولى إلى قلمه، ربما في تعبير منها أن البطل سيحاول أن يكتب عن الواقع الذي حاول الهروب منه و لكنه لحق به و أوقع به في براثنه دون أن يريد، و لكننا هنا نعود إلى نفس النقطة، هل الكتابة وحدها كافية؟ هل نقل الواقع كاف في ظل الظروف التي نعيشها؟ من وجهة نظري، يجب أن نوسع دور الأدب و الفن بكل مجالاته و نجعله فنا يساهم في التغيير و النهضة.

3. النقطة الثالثة التي أود مناقشتها هي طرح الدين في الروايات الأدبية، ففي جميع الروايات التي قرأتها حتى الآن و من بينها "ذاكرة الجسد"، لاحظت أنها تصف الدين بنظرة سوداوية، فكل الشخصيات التي تمت من قريب أو بعيد للدين هي شخصيات إما طيبة و لكن سلبية (أخ  البطلة، الذي يذهب إلى الجامع ليعتزل الناس و مشاكلهم)، أو متناقضة (أخ البطل الذي لا يهمه دفع رشوة للذهاب إلى الحج)، أو شخصيات تعتبر الدين أفيونا تنسى به همومها (البطل نفسه الذي بدأ يصلي في محاولة منه للاقتراب من وطنه و من ذكرياته القديمة لا على سبيل الاقتناع).... ربما لأن الكاتبة تتحدث عن حقبة قل فيها الوعي و انتشر فيها الجهل و المادية و ندرت فيها الأخلاق. و بالطبع لا يمكننا الإنكار بأن هذه النماذج كلها موجودة في المجتمع بل و توجد أفظع منها، هذا عدا عن أن لكل كاتب فكرته التي يكونها من خلال محيطه و تجاربه الخاصة و قراأته. و لكني أتمنى أن أقرأ أدبا يعيد للدين قيمته و ينصفه و يقدم شخصيات تحاول الحفاظ على دينها و في نفس الوقت تكون إيجابية فعالة في المجتمع، خصوصا و أن هؤلاء أيضا موجودون و لكن للأسف لا يتم تسليط الضوء إلى على الآخرين.

4. ربما لست ممن يفضلون استعمال العامية في الروايات الأدبية لأنها قد تفقدها قيمتها اللغوية و أحيانا تجرها إلى الابتذال. و لكن هذا لا ينطبق بتاتا على هذه الرواية، لأن الكاتبة استعملت العامية دائما في المكان المناسب و بالجرعة المناسبة فلا إفراط و لا تفريط، فقامت بمزج العربية بالعامية بشكل ذكي و احترافي بث الحياة في شخصيات الرواية و منحها تلك اللمسة الواقعية و جعلها كشخوص حقيقية تتكلم و تفكر و تحلم.

آمال