Monday, September 30, 2013

ديوان الشابي ـ مختارات


منذ نعومة أظفاري و أنا أسمع عن أبي القاسم الشابي و لكني لم أكن قد قرأت له إلا بعض قصائد في المدرسة و سمعت بضع أبيات من قصيدته "إرادة الحياة" التي تغنى بها الكثير و تناقلتها وسائل الإعلام خاصة بعد الثورات العربية، لذلك قررت قراءة ديوانه للتعرف أكثر على هذا الشاعر. 

و هذه بعض الملاحظات التي سجلتها عن هذا الديوان: 

1. ينتمي الشاعر إلى المدرسة الرومانسية، ففي قصائده نراه يعانق الطبيعة و يحاورها في محاولة منه للهروب من الواقع المرير الذي يعيشه. 

2. كنت أنتظر أن أجد في الديوان قصائد تنم عن التفاؤل و الكفاح و الأمل و البهجة، و لكني في المقابل اصطدمت بأسلوب الشاعر الكئيب و المتشائم في معظم الأحيان. 

3. تتناول قصائد الشابي مواضيع كثيرة، نذكر منها : الحزن، الشعر، القلب، الحب، الموت، الظلم، الشعب، الثورة... إلا أن معظم هذه المواضيع مكررة في الديوان. 

4. شعر الحب عند الشابي ليس شعرا عذريا؛ فهو لا يخلو من وصف مادي و تعابير محسوسة في علاقته بالمرأة.

5. تأثر الشاعر بشعر أدباء المهجر و خروجه عن قواعد الشعر التقليدي.

6. شعر الشابي شعر فصيح و سهل في نفس الوقت، فهو يعالج قضايا كبرى و معقدة بأسلوب رومانسي سلس يخاطب الروح و الوجدان.

و في النهاية، اخترت لكم هذه الباقة التي أعجبتني من ديوان أبي القاسم الشابي، و التي تدور بالأساس حول تحسره على شعبه و على جهله و سلبيته و قبوله للظلم و عدم محاولته تغيير واقعه.
و ستلاحظون أني أدرجت قصائد بأكملها بالرغم من طولها، فقد كان من الصعب علي اقتطاع بعض الأبيات فقط لأن ذلك قد يؤدي إلى اختلال المعنى.

للتاريخ

البؤسُ لابنِ الشَّعبِ يأكلُ قلبَه
والمجدُ والإثراءُ للأغرابِ
والشَّعب مَعصوبُ الجفونِ مُقَسَّمٌ
كالشّاة بَيْنَ الذّئب والقَصَّابِ
والحقُّ مَقطوعُ اللّسان مُكَبَّلٌ
والظَّلمُ يمرح مُذْهَبَ الجِلبابِ
هذا قليلٌ من حياةٍ مُرّة
في دولة الأنْصابِ والألقابِ


إرادة الحياة

إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة
فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي
ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة
تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا
ة مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ
كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ
وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ
وأعْلِــنَ فــي الكـون: أنّ الطمـوحَ
لهيـــبُ الحيــاةِ, ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ
فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر


الصيحة

يا قَوْمُ سِرتُمْ حَثيثاً
خُطًى وَرَاءً كِبارا
نَبَذْتُمُ العِلْمَ نَبْذَ ال
نَّوى قِلًى وصَغارا
لَبِسْتُم الجَهْلَ ثَوْباً
اتَخَذْتُموهُ شِعارا
يا قَوْمُ مَا لي أراكُمْ
قَطَنْتُمُ الجَهْلَ دارا
أضَعْتُمُ مَجْدَ قَوْمٍ
شادوا الحَياةَ فَخارا
أبْقوا سَماءَ المَعالي
بِما أضاءوا مَنارا
حاكوا لَكُمْ ثَوْبَ عِزٍّ
خَلَعْتُموهُ احتِقارا
ثمَّ ارتديتم
لَبوسَ خِزيٍ وعارا




النبي المجهول

أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً
فأهوي على الجذوعِ بفأسي!
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ
تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي
ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
ليتني كنتُ كالشتاء، أُغَشِّي
كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!
ليتَ لي قوَّة العواصفِ، يا شعبي
فأُلقي إليكَ ثَوْرةَ نفسي!
ليت لي قوة الأعاصير! إن ضجَّتْ
فأدعوكَ للحياة بنبسي!
ليت لي قوة الأعاصيرِ..! لكْ
أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ..!
أنتَ روحٌ غَبِيَّة ، تكره النّور،
وتقضي الدهور في ليل مَلْس...
أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ
حواليكَ دون مسّ وجسِ...


غرفة من يم

ضعفُ العزيمة لَحْدٌ، في سكينَتهِ
تقْضِي الحياة، بَنَاهُ اليأسُ والوجَلُ
وفِي العَزِيمَة قُوَّاتٌ، مُسَخَّرَة
يخِرّ دونَ مَداها اليأسُ والوجَلُ
والنّاسُ شَخْصان: ذا يسْعى به قَدَمٌ
من القُنوطِ، وذا يسعَى به الأملُ
هذا إلى الموتِ، والأجداثُ ساخرة،
وَذَا إلى المَجْدِ، والدُّنْيَا لَهُ خَوَلُ
ما كلُّ فعل يُجِلُّ النَّاسُ فَاعلَه
مجداً، فإنَّ الورى في رأَيِهم خطَلُ
ففي التماجد تمويهٌ، وشعْوذَةٌ،
وَفِي الحَقِيقَة مَا لا يُدْرِكُ الدَّجِلُ
مَا المَجْدُ إلا ابتِسَامَاتٌ يَفِيضُ بها
فمُ الزمانْ، إذا ما انسدَّتِ الحِيَلُ
وليسَ بالمَجدْ ما تشْقى الحياةُ به
فَيَحْسُدُ اليَوْمُ أمْساً، ضَمَّهُ الأَزَلُ
فما الحروبُ سوى وحْشيَّةٍ، نهضَتْ
في أنفُسِ النّاسِ فانقادَتْ لها الدّولُ
وأيقظتْ في قلوبِ النّاسِ عاصفةً
غامَ الوجودُ لها، واربْدَّت السُّبُلُ
فَالدَّهْرُ مُنْتَعِلٌ بالنَّارِ، مُلْتَحِفٌ
بالهوْلِ، والويْلِ، والأيامُ تَشْتَعِلُ
وَالأَرْضُ دَاميةٌ، بالإثْمِ طَامِيَةٌ،
وَمَارِدُ الشَّرِّ في أَرْجَائِهَا ثَمِلُ
والموْتُ كالماردِ الجبَّارِ، منتصِبٌ
فِي الأرضِ، يَخْطُفُ مَنْ قَدْ خَانَهُ الأَجَلْ
وَفِي المَهَامِهِ أشلاءٌ، مُمَزَّقَةٌ
تَتْلُو على القَفْرِ شِعْراً، لَيْسَ يُنْتَحَلُ


إلى الشعب

أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟
أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟
أين يا شعبُ، رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ
أينَ، الخيالُ والالهامُ؟
أين يا شعبُ، فنُّك السَّاحرُ الخلاّقُ؟
أينَ الرُّسومُ والأَنغامُ؟
إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ
فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ
أينَ عَزْمُ الحياة ِ؟ لا شيءَ إلاّ
الموتُ، والصَّمتُ، والأسى ، والظلامُ
عُمُرٌ مَيِّتٌ، وَقَلْبٌ خَواءٌ
ودمٌ، لا تثيره الآلامُ
وحياة ٌ، تنامُ في ظلمة ِ الوادي
وتنْمو من فوقِها الأوهام
أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ؟!
رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام
قد مشتْ حولَك الفصولُ وغَنَّتْكَ
فلم تبتهِجْ، ولمْ تترنَّمْ
ودَوَتْ فوقَك العواصِفُ والأنواءُ
حَتَّ أَوشَكْتَ أن تتحطَّمْ
وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك
فلم تضطرب، ولم تتألمْ
يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو؟
أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟
ملَّ نهرُ الزّمانِ أيَّامَكَ الموتَى
وأنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ
أنتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ، ولا حيٌّ
فيمشي، بل كائنٌ، ليس يُفْهَمْ
أبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ
جامدٍ، لا يرى العوالِمَ، مُظْلِمْ
أيُّ سِحْرٌ دهاكَ! هل أنتَ مسحورٌ
شقيٌّ؟ أو ماردٌ، يتهكَّمْ؟
آه! بل أنتَ في الشُّعوب عجوزٌ،
فيلسوفً، مُحطَّمٌ في إهابِهْ
ماتَ شوقُ الشبابِ في قلبِه الذاوي،
وعزمُ الحياة ِ في أعصابِهْ
فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ..، بعيداً..
وهناكَ.. اصطفى البقاءَ مع الأموات،
في قبرِ أمسِه غيرَ آبِهْ...
وارتضى القبرَ مسكناً، تتلاشى
فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ
وتناسى الحياة َ، والزّمَنَ الدّاوي
وما كان منْ قديمِ رِغَابِهْ
واعبدِ الأمسَ وادَّكِرْ صُوَرَ الماضِي
فدُنْيَا العجوزِ ذكري شبابِهْ...
وإذا مرَّتِ الحياة ُ حوالَيْكَ
جميلاً، كالزّهر غضَّا صِباها
تتغنّى الحياة بالشوق والعزم
فيحْي قلبَ الجمادِ غِنَاها
والربيعُ الجميلُ يرقصُ فوقَ
الوردِ، والعشبِ، مُنْشِداً، تيَّاهاً
ومشَى النّاسُ خلفَها، يتَمَلوْنَ
جمالَ الوجودِ في مرآها
فاحذرِ السِّحْرَ! أيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ
والربيعُ الفَنَّانُ شاعِرُها المفتونُ
يُغْرِي بحبِّها وهواها
وَتَمَلَّ الجمالَ في رِممِ الموتَى ..!
بعيداً عن سِحْرِهَا وَصَدَاها
وَتَغَزَّلْ بسِحْرِ أيَّامِكَ الأولى
وخَلِّ الحياة َ تخطو خطاها
وإذا هبَّت الطيورُ مع الفجر،
تُغنِّي بينَ المروجِ الجميلهْ
وتُحَيِّي الحياة َ، والعالَمَ الحيَّ،
بِصَوْتِ المحبَّة ِ المعسولهْ
والفَراشُ الجميلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ،
يناجي زهورَهُ المطلولهْ
وأفاقَ الوجودُ للعمل المُجْدِي
ولِلسَّعي، والمعاني الجليلهْ
ومشى الناس في الشِّعاب، وفي الغاب،
وفوق المسَالكِ المجهولهْ
ينشدون الجمالَ، والنُّورَ، والأفراحَ
والمجدَ، والحياة َ النبيلهْ
فاغضُضِ الطَّرفَ في الظَّلامِ! وحاذِرْ
فِتْنَة َ النُّورِ..! فهيَ رُؤْيَا مَهولَة ...
وَصَبَاحُ الحياة ِ لا يُوقِظُ الموْتَى
ولا يَرْحَمُ الجفونَ الكليلهْ
كلُّ شيءٍ يُعَاطِفُ العالَم الحيَّ،
ويُذكِي حياتَه، ويُفيدُهْ
والذي لا يجاوِبُ الكونَ بالاحساسِ
عِبْءٌ على الوجودِ، وُجُودُهُ
كُلُّ شيءٍ يُسايرُ الزَّمنَ الماشي
بعزمٍ، حتى الترابُ، ودودُهُ
كلُّ شيءٍ ـ إلاَّكَ ـ حَيٌّ، عَطوفٌ
يُؤْنِسُ الكونَ شَوْقُه، ونَشيدُهُ
فلِماذا تعيشُ في الكون يا صَاحِ!
وما فيكَ من جنًى يستفيدُهْ
لستَ يا شيخُ للحياة ِ بأَهْلٍ
أنت داءٌ يُبِيدُها وتُبِيدُهْ
أنت قَفْرٌ، جهنَّميٌّ لَعِينٌ،
مُظْلِمٌ، قَاحلٌ، مريعٌ جمودُهْ
لا ترفُّ الحياة ُ فيه، فلا طيرَ
يغنّي ولا سَحَابَ يجودُهْ
أنتَ يا كاهنَ الظلامِ ياة ٌ
تعبد الموتَ..! أنت روحٌ شقيٌّ
كافرٌ بالحياة ِ والنُّورِ..، لا يُصغي
إلى الكون قلبُه الحَجَرِيُّ
أنتَ قلبٌ، لا شوقَ فيه ولا عزمَ
وهذا داءٌ الحياة ِ الدَّوِيُّ
أنتَ دنيا، يُظِلُّها أُفُقُ الماضي
وليلُ الكآبة ِ الأَبديُّ
مات فيها الزّمانُ، والكونُ إِلاَّ
أمسُها الغابرُ، القديمُ، القَصِيُّ
والشقيُّ الشقيُّ في الأرض قلبٌ
يَوْمُهُ مَيِّتٌ، وما ضيه حيُّ
أنتَ لا شيءَ في الوجودِ، فغادِرْهُ
إلى الموت فَهْوَ عنك غَنِيُّ


زئير العاصفة

تُسائلني: مالي سكتُّ، ولا أُهِبْ
بقومي، وديجورُ المصائبِ مُظْلِمُ
وَسَيْلُ الرَّزايا جَارفٌ، متدفّعٌ
عضوبٌ، وجه الدّهر أربدُ، أقتمُ؟
سَكَتُّ، وقد كانت قناتيَ غضَّة ً
تصيحُ إلى همس النسَّيم، وتحلمُ
وقلتُ، وقد أصغتْ إلى الرّيحِ مرّة ً
فجاش بها إعصارهُ المتهزِّمُ
وقلتُ وقد جاش القَريضُ بخاطري
كما جاش صخَّابُ الأواذيِّ، أسْحَمُ:
أرى المجدَ معصوب الجبين مُجدَّلاً
على حَسَكِ الآلم، يغمرهُ الدَّمُ
وقد كان وضَّاحَ الأساريرَ، باسماً
يهبُّ إلى الجلَّى ، ولا يَتَبَرّمُ
فيا أيها الظلمُ المصَّعرُ حدَّه
رويدكَ! إن الدّهر يبني ويهدمُ
سيثارُ للعز المحطَّم تاجه
رجالٌ، إذا جاش الرِّدى فهمُ هُمُ
رجالٌ يرون الذُلَّ عاراً وسبَّة ً
ولا يرهبون الموت، والموتُ مقدمُ
وهل تعتلي إلا نفوسٌ أبيِّة ٌ
تصدَّع أغلالَ الهوانِ، وتَحطِمُ


إلى الطاغية

يَقُولونَ: صَوْتُ المُسْتَذِلِّين خَافِتٌ
و سمع طغاة الأرض "أطرشُ "أضخم
وفي صَيْحَة ِ الشَّعْبِ المُسَخَّر زَعْزَعٌ
تَخُرُّ لَهَا شُمُّ العُرُوشِ، وَتُهْدَمُ
ولعلة ُ الحقّ الغضوضِ لها صدى ً
وَدَمْدَمَة الحَربِ الضَّروسِ لَهَا فمُ
إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ
يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ
لَكَ الوَيْلُ يَا صَرْحَ المَظَالمِ مِنْ غَدٍ
إذا نهضَ المستضعفونَ، وصمّموا!
إذا حَطَّمَ المُسْتَعبِدُونَ قيودَهُمْ
وصبُّوا حميمَ السُّخط أيَّان تعلمُ..!
أغَرّك أنَّ الشَّعْبَ مُغْضٍ عَلَى قَذًى
وأنّ الفضاءَ الرَّحبَ وسنانُ، مُظلمُ؟
ألا إنَّ أحلام البلادِ دفينة ٌ
تُجَمْجِمُ فِي أعْماقِهَا مَا تُجَمْجِمُ
ولكن سيأتي بعد لأي نشورها
وينبث اليومُ الذي يترنَّمُ
هُوَ الحقُّ يَغْفَى .. ثُمَّ يَنْهَضُ سَاخِطاً
فيهدمُ ما شادَ الظلاّمُ، ويحطمُ
غدا الرّوع، إن هبَّ الضعيف ببأسه،
ستعلم من منّا سيجرفه الدمُّ
إلى حيث تجنى كفَّهُ بذرَ أمسهِ
وَمُزْدَرعُ الأَوْجَاع لا بُدَّ يَنْدَمُ
ستجرعُ أوصابَ الحياة ، وتنتشي
فَتُصْغِي إلى الحَقِّ الذي يَتَكَلَّمُ
إذا ما سقاك الدهرُ من كأسِهِ التي
قُرَارَتُها صَابٌ مَرِيرٌ، وَعَلْقَمُ
إذا صعق الجبّارُ تحتَ قيوده
يُصِيخُ لأوجاعِ الحَياة ِ وَيَفْهَمُ!!


يا حماة الدين

لقدْ نامَ أَهلُ العِلْم نوماً مغنطَساً
فلمْ يسمعوا مَا رَدَّدَتْهُ العوالِمُ
ولكنَّ صوتاً صارخاً متصاعداً
من الرُّوحِ يَدري كُنْهَهُ المُتَصامِمُ
سيُوقِظُ منهمْ كلّ منْ هوَ نائمٌ
ويُنطِقُ منهمْ كلَّ من هو واجِمُ
سَكَتُّمْ حماةَ الدِّين سَكْتَةَ واجمٍ
ونمْتُمْ بمِلْءِ الجَفْنِ والسَّيلُ داهِمُ
سَكَتُّمْ وقد شِمتم ظلاماً غُضُونُهُ
علائمُ كفرٍ ثائرٍ ومعالِمُ
مواكبُ إلحادٍ وراءَ سكوتِكُم
تَضُجُّ وها إنَّ الفضاءَ مَآثِمُ
أَفيقوا فليلُ النَّومِ ولَّى شبابُهُ
ولاحتْ للألاءِ الصَّباحِ عَلائِمُ
فدونَ ضجيجِ الفاسقين سَكينةٌ
هيَ الموتُ ممَّا أَورَثَتْهُ التَّمائِمُ
عوائدُ تُحيي في البلادِ نوائباً
تقُدُّ قُوامَ الدِّين والدِّينُ قائِمُ
أَفيقوا وهُبُّوا هَبَّةً ضَيْغَمِيَّةً
ولا تحجُمُوا فالموتُ في الجبْنِ جاثِمُ
فدون نِقابِ الصَّمتِ تنمو ملامحٌ
تبرقعتِ الشّرَّ الَّذي لا يُقاوِمُ
فقدْ فَتَّ في زَنْدِ الدِّيانَةِ معشرٌ
أثاروا على الإسلامِ مَنْ قَدْ يُهاجِمُ
فو الحقِّ مَا هذي الزَّوايا وأَهلُها
سِوَى مصنعٍ فيهِ تُصاغُ السَّخائِمُ
لحى اللهُ مَنْ لمْ تَسْتَثِره حميَّةٌ
على دِينه إنْ داهمتهُ العَظائِمُ
لحى اللهُ قوماً لم يُبالوا بأَسْهُمٍ
يُصوِّبها نحو الدِّيانَةِ ظَالِمُ


الناس

ما قدَّسَ المَثلَ الأعلى وجمَّلَه
في أعيُنِ النّاسِ إلاّ أنّه حُلُمُ!
ولو مشى فيهم حيّاً لحطَّمه
قومٌ، وقالوا بخبثٍ: «إنّهُ صنَمُ»!
لا يعبدُ النَّاسُ إلا كلَّ منعدمٍ
مُمنَّعٍ، ولمنْ حابَاهُمُ العَدَمُ!
حتَّى العَبَاقرةُ الأفذاذُ، حُبُّهُمُ
يلقى الشقاءَ وتَلقَى مجدَها الرِّمَمُ!
النَّاسُ لا يُنْصِفُونَ الحيّ بينهمُ
حتّى إذا ما توارى عنهمُ نَدِموا!
الويْل للنَّاسِ من أَهْوائهمْ أبداً
يمشي الزَّمانُ وريحُ الشَّرِّ تحتدمُ..


يا ابن أمي

خُلقتَ طَليقاً كَطَيفِ النَّسيمِ
وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ
تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ اندفعتَ
وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ
وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ
وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاهْ
وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروجِ
وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ
كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُودِ
وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاهْ
فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيودِ
وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاهْ
وتُسْكِتُ في النَّفسِ صوتَ الحَيَاةِ
القويَّ إِذا مَا تغنَّى صَدَاهْ
وتُطْبِقُ أَجْفانَكَ النَّيِّراتِ عن الفجرِ
والفجرُ عَذْبٌ ضيَاهْ
وتَقْنَعُ بالعيشِ بَيْنَ الكهوفِ
فأَينَ النَّشيدُ وأينَ الإِيَاهْ
أَتخشى نشيدَ السَّماءِ الجميلَ
أَتَرْهَبُ نورَ الفضَا في ضُحَاهْ
ألا انهضْ وسِرْ في سبيلِ الحَيَاةِ
فمنْ نامَ لم تَنْتَظِرْهُ الحَيَاهْ
ولا تخشى ممَّا وراءَ التِّلاعِ
فما ثَمَّ إلاَّ الضُّحى في صِبَاهْ
وإلاَّ رَبيعُ الوُجُودِ الغريرُ
يطرِّزُ بالوردِ ضافي رِدَاهْ
وإلاَّ أَريجُ الزُّهُورِ الصُّبَاحِ
ورقصُ الأَشعَّةِ بَيْنَ الميَاهْ
وإلاَّ حَمَامُ المروجِ الأَنيقُ
يغرِّدُ منطلِقاً في غِنَاهْ
إلى النُّورِ فالنُّورُ عذْبٌ جميلٌ
إلى النُّورِ فالنُّورُ ظِلُّ الإِلهْ


إلى طغاة العالم

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ
حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ
وكفُّكَ مخضوبةُ من دِماهُ
وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ
وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ
وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام
وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ
ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ
رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ
ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ
وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ
سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء
ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ


تونس الجميلة

لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ،
أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ
إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ،
قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ
كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ،
مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ
ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ
فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ
وتوخَّوْا طرائقَ العَسف الإِرْ
هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ
رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ
غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا
واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ
أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَةَ فِي لُجِّ
الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ
شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي
قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ
لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مـ
ـتُّ وقامتْ على شبابي المناحَةْ
لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائي
فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ
وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي
صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ
إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَةٍ غَيْرَ أنِّي
مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ
ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ
سَتَرُدُّ الحَيَاةُ يَوماً وِشَاحَهْ


أبناء الشيطان

أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأى
إلاَّ برايا شقيَّةً مجنونَهْ
جبَّلتْها الحَيَاةُ في ثورة اليأ
سِ من الشَّرِّ كيْ تُجِنُّ جُنُونَهْ
فأَقامتْ لهُ المعابدَ في الكو
نِ وصَلَّتْ لهُ وشَادَتْ حُصُونَهْ
كم فتاةٍ جميلةٍ مدحوها
وتغنَّوْا بها لكيْ يُسْقِطوها
فإذا صانَتِ الفَضيلَةَ عابو
ها وإنْ باعتِ الخَنَا عبدوها
أَصْبَحَ الحسنُ لعنةً تهبط الأَر
ضَ ليَغْوى أَبناؤُها وذووها
وشقيٍّ طافَ المدينَةَ يستج
دي ليَحْيَا فخيَّبوه احتقارا
أيقظوا فيهِ نزْعَةَ الشَّرِّ فانْقَضَّ
على النَّاسِ فاتكاً جبَّارا
يبذُرَ الرُّعبَ في القُلُوبِ ويُذكي
حيثما حلَّ في الجوانحِ نارا
ونبيٍّ قَدْ جاءَ للنَّاسِ بالحَقِّ
فكالوا لهُ الشَّتائمَ كَيْلا
وتنادَوْا بهِ إلى النَّارِ فالنَّا
رُ بِرُوحِ الخبيثِ أَحْرى وأَوْلى
ثمَّ ألقوْهُ في اللَّهيبِ وظلُّوا
يَملأون الوُجُودَ رُعباً وهوْلا
وَشُعوبٍ ضعيفةٍ تتلظَّى
في جحيمِ الآلامِ عاماً فعاما
والقويُّ الظَّلومُ يَعْصِرُ مِنْ
آلامها السُّودِ لَذَّةً ومُدَاما
يتحسَّاهُ ضاحكاً لا يراها
خُلِقَتْ في الوُجُودِ طعاما
وفتاةً حسبتَها معْبَدَ الحبِّ
فأَلفيتَ قلبَها ماخُورا
ونبيلٍ وجدتَهُ في ضياءِ الفَجْ
رِ قلباً مدَبَّساً شرِّيرا
وزعيمٍ أجلَّهُ النَّاسُ حتَّى
ظنَّ في نفسِهِ إلهاً صغيرا
وخبيثٍ يعيشُ كالفأسِ هدَّا
ماً ليُعْلي بَيْنَ الخَرابِ بناءهْ
وقميءٍ يُطاوِلُ الجَبَلَ العا
لي فللّه مَا أَشَدَّ غَبَاءهْ
ودنيءٍ تاريخُهُ في سِجِلِّ
الشَّرِّ إِفْكٌ وقِحَّةٌ ودَنَاءهْ
كانَ ظنِّي أنَّ النُّفوسَ كبارٌ
فوجدتُ النُّفوس شيئاً حقيرا
لوَّثَتْهُ الحَيَاةُ ثمَّ استمرَّتْ
تبذُرُ العالَمَ العَريضَ شُرورا
فاحصدوا الشَّوْكَ يا بنيها وضِجُّوا
و امْلأوا الأَرضَ والسَّماءَ حُبورا


  
 ٱمال