Thursday, October 31, 2013

نظرة خاطفة على الأدب المغربي



بينما كنت أتصفح الإنترنت ذات يوم، وجدت أنه من بين الكتب الأكثر مبيعا في معارض المملكة العربية السعودية رواية لكاتب مغربي كانت قد حصلت سنة 2011 على الجائزة العالمية للرواية العربية، و هذا ما جعلني أتجه إلى قراءة الأدب المغربي الذي لا أعرف عنه الكثير، فبدأت أولا بقراءة هذه الرواية، ثم أتبعتها بروايتين أخريتين، و في ما يلي نبذة عن كل رواية و تقييمي الشخصي لها.

الرواية الأولى

أحداث الرواية تدور في مدن مغربية كثيرة ( الرباط، سلا، الدار البيضاء، مراكش، فاس، وليلي). و فيها يصف بطل القصة، و هو كاتب صحفي، واقعه مع الأشخاص الذين يحيطون به، مركزا بالدرجة الأولى على الأجيال الثلاثة في أسرته، و المتمثلة في أبيه الذي أضاع ثروته كلها بعد أن عمل جهدا كبيرا لجمعها، و في ابنه الذي أصبح متطرفا و ينتمي إلى جماعة إرهابية دون أن يلاحظ أبواه ذلك، و فيه هو الذي فقد حاسة الشم فجأة فتبلدت معها مشاعره و فقد كل إحساس بالآخرين و بما يحيط به من أحداث. 
و ناقش الكاتب على لسان شخصيات الرواية التغيرات التي شهدتها مدينتا الرباط و سلا خاصة من ناحية العمران، و الأوضاع الأمنية و السياسية و الاجتماعية في المغرب في الآونة الأخيرة.

تقييمي للرواية الأولى

أولا: أسلوب الكاتب ليس أسلوبا أدبيا بليغا، بل هو أسلوب عادي يستعمل فيه الكاتب مرارا اللغة العامية ربما لإضفاء بعض الواقعية على القصة، و لكني شخصيا لا أحبذ هذا النوع من الأسلوب.

ثانيا: الحديث عن التغيرات السياسية و الاجتماعية و العمرانية التي طرأت على الواقع المغربي لم يتناول بشكل درامي و أدبي عبر قصة لها عقدة و حل و فيها إثارة و تشويق، بل كان تناولا سطحيا رتيبا يظهر في شكل مناقشات غير مترابطة ببعضها و خارجة عن إطار القصة.

ثالثا: الواقع الذي يتحدث عنه الكاتب لا يمت بصلة للواقع الذي أعيشه شخصيا، فواقع الكاتب واقع يسود فيه الانحراف و الجريمة و العلاقات الغير شرعية و الانتحار و الشذوذ. و بالرغم أني لا أنكر وجود هذه النماذج في المغرب، و لكني أتساءل  :ألم يكن في استطاعة الكاتب أن يقدم و لو شخصية إيجابية واحدة ؟ شخصية تبعث الأمل في نفوس القراء و تثبت أنه بالرغم من كل الأزمات التي يمر بها المغرب، يظل هناك أناس شرفاء و مكافحون؟ ما لا أفهمه إذن في طرح الكاتب هي هذه الرؤية السوداوية التي ينظر بها إلى الواقع الذي نعيشه، و كأنه في محاولته للتعبير عن هذا الواقع، غض الطرف عن فئة كبيرة من المغاربة الذين ينتمون إلى نفس هذا الواقع.

الرواية الثانية

في هذه الرواية، يسلط الكاتب الضوء على حياة أشخاص جمعتهم عمارة واحدة، و في كل فصل من الرواية، تحكي كل شخصية قصتها و علاقتها بالشخصيات الأخرى من وجهة نظرها هي. و تتناول الرواية بالخصوص مشكل البطالة و الفقر التي يعيشها المغرب، و كيف حاولت كل واحدة من هذه الشخصيات التكيف مع هذه المشكلة و الخروج من الظروف الصعبة التي تعيشها.

تقييمي للرواية الثانية

أولا : كما في الرواية الأولى، يعتمد الكاتب كثيرا على اللهجة العامية، و هذا في نظري ينقص من قيمة الكتاب.

ثانيا : أعجبتني فكرة أن تقوم كل شخصية بسرد قصتها من وجهة نظر مختلفة، و كأن الكاتب بذلك أراد أن يرسم لوحة بانورامية للقصة و يحيط بكل تفاصيل الشخصيات.

ثالثا : لاحظت أن الرواية تدور حول مبدأ واحد هو مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، فكل شخصيات الرواية بدون استثناء لم تجد حرجا في التخلي عن أخلاقها و مبادئها و كرامتها في رحلتها إلى الهروب من الفقر، بل و الأكثر من ذلك أنها أوجدت لذلك أعذارا و اقتنعت بها.

رابعا : مرة أخرى، لا وجود لأي شخصية إيجابية في الرواية، و كأن المغرب يخلو من أشخاص شرفاء يتقون الله و يصبرون على الواقع المرير الذي يعيشونه محتسبين أمرهم لله، و يفضلون الموت جوعا على أن تمس كرامتهم أو تضيع أخلاقهم و دينهم، و يحاولون الخروج من واقعهم هذا بكل ما أوتوا من قوة. إن هؤلاء ليسوا أبطالا خارقين، بل هم أناس حقيقيون موجودون على أرض الواقع و في نظري هذه الفئة من المجتمع هي التي تستحق أن نتحدث عنها و نسلط الضوء على تجربتها حتى تعطي الآخرين بوادر الأمل و تبعث فيهم اليقين بأن التغيير ممكن و تلهمهم لإيجاد حلول لمشاكلهم.

الرواية الثالثة

هي سيرة ذاتية للكاتب، يتحدث فيها عن مراحل طفولته و مراهقته، و عن معاناته في ظل الفقر و الجوع و الجهل و الأمية و انعدام الوعي.

تقييمي للرواية الثالثة

أولا: تغلب على الرواية اللهجة العامية مرة أخرى، و لكن هذه المرة بشكل يبتعد كثيرا عن الهدف من الأدب و هو في نظري الرقي بالذوق الإنساني لا الانحطاط به.

ثانيا: صحيح أني أتفهم كم المعاناة و الألم التي عاناها الكاتب في طفولته و التي جعلته يلجأ إلى أبشع الوسائل ليعيش، و لكني لا أرى الفائدة من وصف هذا الواقع كما هو ببشاعته و قبحه. ألم يكن يستطيع الكاتب أن يركز على الخطوط العريضة و يتجنب الدخول في تفاصيل تخدش حياء القارئ؟ ففي الرواية مشاهد ساخنة كثيرة لم أر أنها أضافت شيئا للقصة بل جعلتها تغوص في عالم من الابتذال و السوقية لم أر مثله من قبل حتى في الأدب العالمي.

ثالثا : يتعمد الكاتب إظهار الواقع بنظرة سوداوية متشائمة. و قد عجبت كيف أنه أنهى روايته فجأة عندما لاح له بصيص الأمل الذي سيجعله يغير حياته، فالكاتب ظل أميا حتى بلغ سن العشرين، و لكنه بمساعدة أحد الأشخاص الذين تعرف عليهم لاحقا، قرر أن يتعلم. و لكن للأسف بدل أن يستمر الكاتب في وصف التغيير الإيجابي الذي حدث له و يجعل الناس يستفيدون من تجربته الشخصية و يتفادون الأخطاء التي ارتكبها، آثر أن ينقل فقط الجانب القاتم من حياته و الذي لا يفيد القراء شيئا بل قد يؤثر عليهم سلبا خاصة المراهقين.

خلاصة عامة

لا أدري صراحة ما هذا الحظ العاثر الذي جعلني أقرأ هذه القصص واحدة تلو أخرى! ففي كل مرة كنت أحاول فيها أن أكون إيجابية و متفائلة و أتوقع أن أقرأ أدبا مغربيا راقيا ذو قيمة و رسالة و هدف سام، كنت أصطدم بالأمر الواقع و أجد أن الكاتب لا يرى في المغرب إلا ذلك الجانب المظلم الكئيب و تلك الصورة القاتمة المحبطة.

و لست هنا أستنكر نقل هذا الواقع بل الطريقة التي ينقل بها، فبدل أن يكون كتابنا منارات يضيئون عقول الناس و يرفعون من الذوق العام للمجتمع و ينشرون ثقافة الجمال و يرسخون الأخلاق الحميدة و الأفكار الداعية إلى التغيير و التطور، فإنهم يختارون الطريق السهل و ينقلون الواقع كما هو بكل سلبياته و يكرسون ثقافة القبح و الابتذال و ينحطون بالذوق العام و يؤثرون سلبا على المجتمع.

و هنا أقتبس ما قاله مالك بن نبي في كتابه "في مهب المعركة" عندما تحدث عن فلسفة الإنسان:
و في رحلات العرب إبان العصر الذهبي، مثل رحلات ابن بطوطة و المسعودي و أبي الفداء فإننا لا نجد فيما يكتبون عن الشعوب و القبائل البدائية المكتشفة أي ثرثرة تشوه إنسانية هذه الشعوب، و لا نرى في اتصالهم بها أي آثار للكبرياء في علاقات الإنسان المتحضر العربي إزاء الإنسان البدائي، و لا نجد فيما كتبه الرحالة العرب المصطلحات الدارجة التي تعبر عن الإنسان بالتشويه، و السخرية و الاحتقار مثل العبارات التي أوجدتها لغة الاستعمار للتعبير عن الإنسان المستعمر.
...
فهذه الأشياء الطفيفة تحمل أثرا أعمق لفلسفة الإنسان من تلك الكلمات المنمقة، التي تعبر بها عن تلك الفلسفة، البلاد التي أعدت مصطلح هذا المفهوم بحرفه، و زهدت في معناه، كما هو أعمق من هذا المفهوم نفسه، في ضمير أولئك الكتاب الذين لا يستطيعون أن ينظروا إلى الإنسان، دون أن يحاولوا هتك حرمته و المس بعرضه، مثل زملائهم، أولئك الفنانين و المخرجين السينمائيين، الذين لا يلقون نظرتهم على الحياة الإنسانية، دون أن ينزعوا عنها برقع حيائها، فتراهم يركزون عدسات كامراتهم، على أكوام المزابل و النقائص و الأسمال و الجروح... بدعوى أنهم يخرجون أفلاما للاستعلامات! أو أنهم واقعيون.

فكم نشعر باحتقار هؤلاء الأدباء و الفنانين للإنسان لأنهم يقدرونه بتقدير "الكم". هذا "الكم" الذي أراد أن يعبر عنه بلغته مخرج أمريكي مقتدر، في فيلم أخرجه أخيرا يقول أحد أبطاله في حوار مؤثر : إنما الإنسان نقطة حقيرة على وجه الأرض.
... أما الإسلام فقد أعطى للإنسان كل حجمه في ضمير المسلم، لأنه وضع قيمته في هذا الضمير، لا على تقدير الكم و لكن على أساس غيبي يجعلها قيمة لا متناهية.

و بالرغم من أن بن نبي هنا يتحدث عن الفرق بين نظرة المستعمر للإنسان و نظرة المسلمين له، إلا أن هذا القول الآن قد ينطبق على بعض الكتاب الذين حذوا حذو الغرب في نظرتهم الدونية للإنسان و في عدم احترامهم لمشاعر القراء و في نقلهم البذيء للواقع أحيانا و في نشرهم لمبادئ قد تقضي على المجتمع من جذوره.

و لكني بالطبع لا أقصد كل الكتاب المغاربة لأني لم أقرأ إلا للقليل منهم، و آمل في القريب العاجل أن أقرأ كتبا أخرى أكثر إبداعا  و أعلى ذوقا و أسمى رسالة .

آمال