Thursday, December 19, 2013

تاريخنا المفترى عليه ـ الملخص


الكاتب : الدكتور يوسف القرضاوي
تاريخ النشر : يناير 2005
عدد الصفحات : 310
دار النشر: دار الشروق

في هذا الكتاب يتصدى الدكتور يوسف القرضاوي للدفاع عن التاريخ الإسلامي، الذي حسب قوله تعرض لهجوم شديد من قبل العلمانيين و المستشرقين و حتى بعض المخلصين من الدعاة، الذين نفوا صفة تطبيق الشريعة بعد عصر الراشدين، و قالوا أن الخلافة أصبحت ملكا عضوضا أو ملكا جبريا يقوم على القهر و الجبروت، و لا صلة له بشريعة الإسلام، حتى ذهب بعضهم إلى القول بأن الشريعة فكرة مثالية لم تطبق في التاريخ، و حسب القرضاوي فإن هذا جور كبير و افتراء عظيم و هو ما يحاول تفنيده من خلال أجزاء هذا الكتاب.

جور العلمانيين على التاريخ الإسلامي و تحريفهم له، و قسوة بعض الإسلاميين عليه

إبطال دعوى أن الشريعة لم تطبق إلا في عهد عمر

يرجع القرضاوي دعوى العلمانيين هاته إلى الكاتب المعروف خالد محمد خالد في كتابه الشهير "من هنا نبدأ"، و هو قد رجع عن ذلك في كتابه "الدولة في الإسلام"؛ لكن بعض العلمانيين حسب القرضاوي تشبتوا بالفكرة و نسبوها إليهم و بالغوا فيها، و يرد القرضاوي على هذا الادعاء باختصار شديد كما يلي:

  • لا يمكن اختزال عهد الراشدين في عهد عمر فقط، فعهد أبي بكر الذي سبقه تمت فيه إنجازات هائلة، حيث كانت دولته أول من شن الحرب و جيش الجيوش لتطبيق الشريعة المتمثلة في الزكاة، فحارب المرتدين عن دفع الزكاة دون هوادة، و هو الذي بدأ بالفتوحات في فارس و الروم، و هو الذي أرسى مبادئ الأخلاق في الحرب، و حسب القرضاوي فإن أبا بكر أرسى المبادئ الدستورية في تقييد سلطة الحاكم و رقابة الشعب عليه منذ أول خطبة خطبها.
  • كما أنه في عهد عثمان تحقق الرخاء و الرفاهية في الدخل، و تمت له فتوحات و انتصارات في الخارج، و كان أول خليفة ركب في عهده المسلمون البحر من أجل نشر الإسلام، كما أنه خلف وراءه فقها سياسيا غنيا و فتاوى ذات قيمة كبيرة في تنظيم حياة المسلمين.
  • أما في عهد علي كرم الله وجهه، فقد تم إرساء مبادئ في سياسة الحكم، و سياسة المال، وكيفية معاملة المعارضين له آنذاك، وفتاوى شتى في المعاملات.
  • كما ألحق الدكتور القرضاوي بالخلفاء خليفة خامسا و هو عمر بن عبد العزيز الذي عرف بزهده و تميز عهده بالرخاء و إقامة العدل، و إحياء ما مات من سنن راشدة وتمكين لدين الله في الأرض.

الشريعة كانت أساس المجتمع
الإسلامي طوال 13 قرنا

يقرر القرضاوي في بداية هذه الفقرة بأن التاريخ الصادق يثبت بوضوح لا ريب فيه أن الشريعة الإسلامية كانت هي الأساس الدستوري و القانوني للمجتمع الإسلامي، منذ العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين و من بعدهم من الأمويين و العباسيين و العثمانيين، إلى أن دخل الاستعمار بلاد المسلمين، فبدأ يغير من هويته و يمسخ شخصيته ليتحول من الأصالة إلى التبعية في الفكر و التشريع و التقاليد، ليسهل تطويعه و تهجينه و تسخيره لأطماعه، و يبرهن على ذلك أن الناس كانوا يتزوجون ويتطلقون و يشترون و يبيعون و يتعاملون مع مواليدهم و كل ما يشكل عليهم في حياتهم وفق شريعة الإسلام، لا غيرها من قانون أو عرف.

و يعترف القرضاوي أنه كان هناك تفاوت بين الناس و الأقطار في التطبيق، إلا أنه من ناحية الالتزام بالمبادئ فلا خلاف بأن الدول الإسلامية كانت تسير من خلال الشريعة في أمور الحياة، و يؤكد أن الحكام لم يكن لهم تأثير على الشعوب فالمؤثرون المباشرون في أمور حياة الناس كانوا هم الفقهاء.

نموذج صارخ لتحريف تاريخنا الإسلامي

في هذه الفقرة يعطي القرضاوي مثالا صارخا على تحريف التاريخ الإسلامي، حيث ركز على الرد على الكاتب حسين أحمد أمين الذي قلل من قيمة عمر بن عبد العزيز و نوه بالحجاج، فيما يلي مختصر الادعاءات و رد القرضاوي عليها:


الادعاءات
الرد عليها
كان عمر بن عبد العزيز جاهلا بالسياسة مما أدى إلى تدهور الدولة و سقوطها في أيدي الفرس
عمر بن عبد العزيز سليل أسرة من الأمراء الأمويين مشهود لهم بالحنكة، فأبوه كان واليا على المدينة و مصر، و عمه هو المؤسس الثاني لدولة الأمويين، وهو بدوره تقلب في المناصب السياسية فلا يعقل أن يكون جاهلا بالسياسة.
سياسته المالية جلبت الخراب للدولة الأموية
الوقائع التاريخية تؤكد الكثير من الروايات التي تحكي أن عصره شهد رخاءا اقتصاديا و اكتفاءا ذاتيا  و عدالة اجتماعية.
يعيب عليه أنه رد على والي حمص عندما استأذنه ليصلح سور المدينة أنه قال له: حصنها بالعدل، فبالنسبة له هذا خطأ يستوجب المؤاخذة.
الموقف المذكور يجسد سياسة عمر في الحكم، فالوالي كان يريد أن يقتطع المال من خزينة الدولة لترميم سور، و عمر كان يحرص على أن تبذل الأموال في الحاجات الاجتماعية قبل الأمور العسكرية، و كان مؤمنا أن العدل أساس الدولة و سند الحكم.
الكاتب دافع عن طغيان الحجاج و برر عنفه بأنه ضروري لحماية الدولة من المارقين.
عبد الله بن الزبير كان عالما و بويع بالخلافة و نودي بأمير المؤمنين تسع سنين، و هو ممن قتلهم الحجاج، و أيضا العالم الجليل سعيد بن جبير الذي قتله لمجرد أنه عارضه، فهل هؤلاء مارقون؟ أين العدل في هذا؟

آراء بعض الدعاة الكبار في التاريخ الإسلامي

يذكر القرضاوي في هذه الفقرة ثلاثة دعاة كبار، والذين حسب رأيه، غالوا في اتهامات خطيرة للتاريخ الإسلامي مع أنه يؤكد على أنه يحبهم و يحترمهم و يقدر جهودهم في سبيل الدعوة و توحيد الأمة، و فيما يلي ملخص لآرائهم و رد القرضاوي عليها:

  • الشيخ أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية و مؤسسها في الهند، من مؤلفاته: الخلافة و الملك، موجز تاريخ تجديد الدين و إحيائه، الحكومة الإسلامية.
آراء الداعية
- عادت الجاهلية للظهور حيث بدأت في عهد عثمان و علي رضي الله عنهما ثم تكرست من بعدهما، لكنها لبست ثوب الإسلام، و تمثلت في الخلافة القصرية و دخول الفلسفة، و ظهور الرقص و الموسيقى و التصوير، و ظهور المعتقدات الشركية، و الرهبنة المتمثلة في الغلو في الزهد و الفلسفة الإشراقية.
- و نفى المودودي صفة الإسلام على تاريخ بعض ملوك المسلمين من العباسيين و السلاجقة و المغول، و لم يعتبر المعالم العمرانية التي خلفوها في قرطبة و بغداد و دلهي و القاهرة مفاخرا إسلامية يعتد بها بل هي جرائم وترف وملذات دنيوية.
رأي القرضاوي
- صحيح أن كثيرا من الفلاسفة المسلمين تأثروا بالفلسفة اليونانية و بنظريات الفلاسفة الكبار و هي مخالفة للعقيدة الإسلامية و منهم الكندي و الفارابي و ابن سينا. لكن هذا لم يستطع أن يغير من العقل الإسلامي العام، و ظل تأثيرها محدودا و كان هناك دائما من يقاومها كالغزالي الذي ألف "تهافث الفلاسفة" و بعده ابن تيمية الذي أكمل ما بدأه الغزالي.
- كما أن الفلسفة اليونانية تضمنت أيضا العلوم الطبيعية و الرياضية و الفيزياء و الفلك و الكيمياء و غيرها، و التي أثرت إيجابا على الحضارة الإسلامية.
- أما عن انتشار بعض مظاهر الشرك فهذا صحيح، إلا أنه لم يعم الأمة كلها و لم ينقل هذه الأمة من التوحيد إلى الشرك، كما اعترف المودودي نفسه الذي أقر أن هناك صفحات مضيئة في تاريخ الملكية، عرفت ملوكا كانوا يخشون الله و ينصفون، و أن الجاهلية لم تمحو آيات الإسلام وأن الشعوب تشبتت بالإسلام الذي عم سائر شعب الحياة.
- ويرى القرضاوي أن المعالم العمرانية التي تركها المسلمون كان الهدف منها إظهار الإبداع و التقدم و الرقي و القوة.

    • سيد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام".

    آراء الداعية
    - يرى قطب أن عثمان ترك لمروان بن الحكم أن يتصرف في الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام، و مكن هذا التصرف من تقوية شوكة الأمويين حتى عهد علي كرم الله وجهه حيث انحلت النفوس و تعلقت بالدنيا و كثر ذوو المطامع من عهد عثمان و المستنفعون، و كانت مهمة سيدنا علي الأولى أن يرد الدين إلى روحه و دفع حياته ثمنا لذلك، وهذا هو الدرس الذي كان يود رضي الله عنه أن يعطيه، و ليس استرجاع الخلافة من بني أمية.
    - أما في عهد بني أمية فقد انكسرت روح الإسلام، وانقلبت الخلافة إلى ملك عضوض، غير أن هذا الدين ظل يقاوم و يغالب فلم يتمكن بنوا أمية من تغيير مجراه الأصيل.
    رأي القرضاوي
    رغم قسوته على التاريخ في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، فإنه في كتابه "مقومات التصور الإسلامي" الذي نشر بعد استشهاده، يعترف أن الإسلام ظل راسخ البناء، مرفوع اللواء، منفردا بالفتوى و القضاء و التشريع رغم وجود الملك العضوض.

      • محمد الغزالي في كتابه "الإسلام و الاستبداد السياسي" الذي ألفه عندما كان شابا.

      آراء الداعية
      - اعتبر الغزالي أنه بعد الخلافة الراشدة أصبح أكثر حكام المسلمين حثالة تافهة.
      - ومن بعض مآخذه على نظام الحكم الأموي: احتكار الحكم من قبل أسرة واحدة و حكم مطلق النفوذ، وحكام ميتوا الضمائر، و عودة العصبية الجاهلية، و انعدام التقوى و استرخاص القتل.
      رأي القرضاوي
      يورد القرضاوي شهادة للغزالي بعد مدة كبيرة من تأليفه الكتاب يرى فيها أن الغزالي أنصف فيه التاريخ الإسلامي،  حيث أنه أقر أن الحكم بعد علي كانا ملكا عضوضا، و أنه كان هزيمة للحق، و ضربة موجعة للمثل العليا، إلا أن من الغلو المرفوض تضخيم نتائجه، ذلك أن كل الملوك كانوا يعلنون ولاءهم للإسلام رغم كونهم حكموا بطرق غير صحيحة، و لم يغيروا في القوانين الإسلامية و الأهداف الإسلامية، كما أن العلم الديني استمر في التقدم و التطور، و رغم أن الدولة كانت عربية و متعصبة لجنسها فإن الجماهير والت الإسلام وحده، و اتبعت علماء و فقهاء من الأعاجم.

      ويورد القرضاوي كلمة مهمة للدكتور المغربي المعروف محمد عابد الجابري، حيث يؤكد أن الإسلام كان دينا ودولة، و يرى أن القول بأن الشريعة لم تطبق إلا في عهد الرسول و الخلفاء غير صحيح تاريخيا و غير مقبول منطقيا، و أنه قول يجر إلى العدمية و يتركنا بغير هوية.

      الدولتان الأموية و العباسية و موقفهما من شريعة الإسلام

      دولة بني أمية: دولة الفتوحات و التأسيس الحضاري


      • انتقد القرضاوي الذين صوبوا سهامهم إلى صدر الدولة الأموية، كما نفى ما وصفوها إياه من كونها علمانية و عربية و لا صلة لها بالإسلام و لا بالأخلاق، فبالنسبة للقرضاوي، دولة بني أمية التي بدأت سنة أربعين من الهجرة شملت خير قرون الأمة، و هما قرن الصحابة و قرن التابعين و قرن أتباع التابعين.
      • وذكر القرضاوي بعض فضائل الدولة الأموية، من فتوحات و من ازدهار للعلوم الدينية واللغوية و الترجمة، و نبه أنه لا يقبل بالتهم الجزاف التي تلصق ببني أمية من غير توثيق قوي أو روايات صحيحة، و لكنه في نفس الوقت لا يبرئهم من السنن الغير راشدة التي سنوها، و هو ما حاول عمر بن عبد العزيز تغييره لكن لم يسعفه الأجل.
      • ذكر القرضاوي أنه يتفق مع الحسن البصري في قوله أنه كان ينقم على معاوية في أربعة أشياء: قتاله عليا، و قتله لحجر بن عدي، و استلحاقه زياد بن أبيه، و مبايعته ليزيد ابنه؛ لكن مع ذلك فإن التاريخ يشهد بأنه كان حريصا على إقامة الإسلام في شعائره و شرائعه، و على اتباع السنة في مجالات الحياة المختلفة، و في هذا السياق أورد الكثير من الروايات التاريخية التي تؤكد ذلك.
      • كما استنكر الظلم الذي تعرض له معاوية من قبل الإخباريين الأقدمين و المحدثين، حيث يرى القرضاوي أنه لم يكن بالصورة السيئة التي صوروها بها، و أورد رأي بن خلدون الذي يعتبر معاوية من الخلفاء، و يقول القرضاوي لو صحت كل تلك العيوب التي اتهم بها معاوية، فلا يعقل أن يتنازل سيدنا الحسن بن علي له عن الخلافة عن طيب نفس.
      • وذكر القرضاوي أنه من بين المحدثين الذين بالغوا في الإساءة إلى بني أمية عباس محمود العقاد و طه حسين والدكتور عبد الرزاق الأنباري و غيرهم كثير.
      • وحسب القرضاوي، فإن أسوء الخلفاء في بني أمية، كان الوليد بن يزيد الذي اشتهر بالفسق والمجون و شرب الخمر و الشذوذ، و لم يبق في حكمه سوى أقل من سنتين، حيث ثار عليه الناس وولوا بن عمه يزيد بن الوليد الذي كان حاكما عادلا و رجلا صالحا.

      دولة بني العباس: دولة ازدهار العلم و الحضارة


      • اعتبر القرضاوي أن العصر العباسي وخصوصا عصر المنصور و الرشيد و المأمون هو العصر الذهبي للحضارة الإسلامية بدون نزاع، حيث أولت الدولة العباسية أهمية كبيرة للعلم الديني و الدنيوي معا، فلقد كان المنصور من أحد الأقطاب في العلوم الدينية إلى جانب الإمام مالك.
      • كما شجع على ترجمة كتب الحكمة و المعرفة من الفارسية إلى اليونانية، ولقد سار أبناؤه و أحفاده على نفس المنوال، ونتيجة لهذا أقبل المسلمون على العلم الشرعي والدنيوي، وبرز الكثير من العلماء المسلمين كالرازي و ابن سينا و الخوارزمي و ابن النفيس و ابن رشد و غيرهم.
      • كما يذكر شهادات بعض المفكرين الغربيين و المستشرقين الذين انبهروا بهذا التقدم في جميع المجالات من طب وفلك ورياضيات و كيمياء. و اعترفوا بالفضل للعلماء المسلمين الذين أخذوا عنهم المنهج التجريبي الذي كان له أكبر الأثر على النهضة الأوروبية. 

      تاريخ له مآثر و مفاخر

      في دفاعه عن التاريخ الإسلامي ركز القرضاوي على عدد من المآثر المهمة البارزة في التاريخ الإسلامي، و هي باختصار كما يلي:

      • عمق الجانب الرباني 
      • وضوح المعاني الإنسانية
      • رسوخ القيم الأخلاقية
      • شيوع التسامح الديني
      • قدرة الإسلام على الانتشار السلمي
      • القدرة على تجاوز المحن الكبرى

      من المسؤول عن تشويه تاريخنا

      ويتهم  القرضاوي المسلمين أولا على تشويه التاريخ الإسلامي عبر تضخيم عيوبه و تحقير محاسنه، و هم حسب رأيه المؤرخون و كتاب الأدب و المحدثون.

      مسؤولية المؤرخين

      وتتمثل مسؤولية المؤرخين حسب القرضاوي في أربعة نقاط وهي:

      • التساهل في رواية الأحداث التاريخية وعدم التمحيص. 
      • الولع بالغرائب و ضعف الحس النقدي.
      • الاقتصار على تاريخ الحكام و الولاة و إغفال تاريخ العلماء و الصالحين و أحوال المجتمع.
      • إغفال النقط المضيئة في التاريخ الإسلامي و تضخيم العيوب.

      مسؤولية  كتب الأدب

      ويقصد القرضاوي بكتب الأدب تلك التي هدفها امتاع القارئ و تسليته، وشغل فراغه بما يضحكه و يلهيه، أو يحزنه و يبكيه، فليس المقصود من هذه الكتب التحقيق العلمي، و التمحيص التاريخي، بل هي كتب إمتاع و ترويح.

      وذكر المؤلف بعض الكتب، ككتاب "الحيوان" للجاحظ، و كتاب "الكامل" للمبرد، و "العقد الفريد" لابن عبد ربه، و كتاب "الأغاني" للأصفهاني التي تروي حكايات و أحداث عن شخصيات تاريخية مهمة، دون أسانيد صحيحة يعتد بها، و شملت هذه الروايات حتى أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم، و الصحابة و آل البيت.

      و حذر القرضاوي من الأخذ من هذه الكتب و الحكم على التاريخ من خلالها و هو ما وقع فيه الكثير من المفكرين و ذكر منهم طه حسين.

      مسؤولية المحدثين

      كما يحمل القرضاوي المحدثين مسؤولية تحريف التاريخ، والذين نقلوا من الروايات ما تحصر الخلافة الراشدة في ثلاثين سنة بعد الرسول ثم يكون بعدها الملك العضوض، و ذكر أن الإمامين الجليلين البخاري و مسلم في صحيحيهما  لم يرووا عن ذلك شيئا، و هذا الحديث روي عن صحابي واحد غير مشهور، و اسمه غير معلوم، و هو سفينة مولى النبي صلى الله عليه و سلم، و الحديث كما رواه الإمام أحمد في مسنده عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: الخلافة ثلاثون عاما، ثم يكون بعد ذلك الملك. و في هذا الحديث لم تذكر كلمة عضوض، وذكر حديثا آخر عن الملك و الخلافة رواه الإمام أحمد في مسنده و الذي يختلف في تفسيره.

      في إعادة كتابة التاريخ

      و يشير القرضاوي هنا إلى أن الكثيرين ينادون بإعادة كتابة التاريخ، ويؤكد أن هذا مطلوب، لكنه في نفس الوقت يحذر من خطورة الموضوع بسبب كثرة و اختلاف الإيديولوجيات من علمانية و ماركسية و قومية وأيضا القوى الكبرى في العالم التي تطمح إلى تغيير الهوية الإسلامية لخدمة مصالحها.

      ولهذا يرى المؤلف أن الذي يريد أن يدون التاريخ لا بد له من التسلح بثقافة إسلامية تمكنه من فهمه و فهم الأمة التي صنعته و فلسفتها و عقائدها و شرائعها و حضارتها، و ينبه إلى أن أكبر آفتين يجب التحرر منها عند كتابة التاريخ هما: ضعف التوثيق و الإثبات و سوء التفسير للأحداث.
       
      كما حذر من فئتين من الناس، فئة تنكر التاريخ و تريد أن تنسلخ منه بدعوى التجديد، و فئة أخرى تعبد التاريخ وتبالغ في تحسين صورته، و أعطى كمثال على ذلك الدكتور عبد الحليم عويس الذي بالغ في الدفاع عن بني أمية، و قضية أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد، في حين ذكر محمد قطب كمثال للاعتدال في النظرة للتاريخ الاسلامي، فقد قدم هذا الأخير مقدار الانحراف في حكم بني أمية و بني العباس بأمانة، و خلاصة نظرته أنه يرى أنه حدث و لا شك هبوط عن الذروة التي كانت في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم؛ و لكن هذه الذروة لم يكن من الممكن أن تدوم لأن وجوده كان عاملا مهما فيها، كما أنه رغم الانحرافات التي عرفها عهد الأمويين والعباسيين و العثمانيين، فإن الإسلام كان حاضرا و فعالا و يكفي أن حركة الفتوحات كانت حركة هداية للعالم أجمع.

      و في الأخير يوصي المؤلف بضرورة تبني النظرة الموضوعية المحايدة للتاريخ، و وجوب خلع المنظار الأسود المكبر للعيوب، كما يجب أن تكون النظرة شمولية لا تقتصر فقط على التاريخ العسكري و السياسي بل تشمل الجماهير و العلماء و الصالحين والمجتمع كله لنكون منصفين اتجاهه.


      Rachida KHTIRA

      Software Engineer at the Moroccan Ministry of Finance.
      Interests: Reading, travel and social activities.